القول اللّين
مجلة التصوف الإسلامى
يونيو 2005
قال تعالى
[ اذْهَبَآ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ ]
(44،43 طه )
فرحه المستفتح بأسم الله الرحمن معلم القرآن خالق كل شىء و الانسان علمه البيان .
التقيت بسماحة الإمام و بعد تفضله و الحاضرين برد السلام
قلت : مولانا . . . لقد حفظ الله فى باطن الأرض كنوزاً و معادن و بترول و غيره لتكون رزقاً للعباد الذين من أجلهم إدخر الله ذلك و حفظه . قال سماحته : نعم .
قلت : وقد حفظ الله الدين ليكون أيضاً رزقاً لمن يأتى بعد زمن البعثه المحمديه قال سماحته : نعم ، قلت : لقد سخر الله أمر أهله ويسره لهم وبينه وعلم كل شىء فى قلوب أهله وزينه ، قال سماحته : نعم . . . نعم . . . نعم فما موضوع سؤالك ؟
قلت : إن علماء المعادن والبترول لم يقدموا هذه الأشياء إلى المستفيدين منها على حالتها الخام بل لابد من إجراء عمليات إستخراج وتنقيه وتصنيف والأهتمام بكيفية تقديمها جاهزة .
فقاطعنى سماحته قائلاً : يا بنى أين السؤال ؟
قلت : هل الدين يجرى عليه ما يجرى على كل النعم المحفوظه منذ القدم ؟ قال سماحته : هل تريد أن أضرب لك لذلك المثال ؟
قلت : يا مولانا أنا من الناس ويضرب الله الأمثال .
قال سماحته : إعلم يا بنى هداك الله أن الدين عند الله الإسلام ومنذ أن أرسل الله الرسل مبشرين ومنذرين كان حفظ الدين مسئولية الأمم ولذلك كان يضيع منهم ما أستحفظوا عليه فكان ذلك مبرراً لإرسال رسول جديد فى كل مره إلى قوم ولما كان سيدنا رسول محمد ^ خاتم النبيين فقد تولى الله حفظ كتابه حتى لا يضيع . قلت كما حفظ المعادن و الخامات قال : مثلاً ولا تقاطعنى أيها العجول . . المهم أن الدين وصل الينا كاملاً بعد هذه القرون لأنه محفوظ .
قلت : محفوظ من أى شىء ؟ قال : ماذا تعنى ؟
قلت : أسأل عن الكيفيه التى حفظ بها الدين ؟
قال سماحته : لقد سخّر الله لكتابه من خطه وكتبه بعد جمعه وللحديث الشريف رجاله الذين جمعوه من ثقاة الرواه والحفاظ وكتبهم الصحاح وهى سته على أرجح الأقوال .
قلت : كيف يقدم هذا الدين المحفوظ المكنون المخزون فى خزائن الصدور ومخازن الكتب ؟
قال سماحته : يستخرج الفقهاء الأحكام ويتولى العلماء توصيلها للمستحقين .
قلت : الجهلاء هم المستحقون وهم الذين من أجلهم كان الفقهاء والعلماء .
قال سماحته : نعم وما صبرك إلا بالله فلو قام العالم بإخراج النصوص المحفوظه و تقديمها لمن أسميتهم بالجهلاء كما هى يكونون كمن أخرج البقول و اللحوم و مكونات الطعام من المخازن ووضعها على السفره الجاف منها جافاً و النيىء منها نيئاً فتكون عندئذ صعبه فى التناول والمضغ والبلع والهضم والإخراج ولكن إذا قام الفقهاء بالطهى . قلت : الطبيخ يعنى ؟ قال : نعم الطبيخ ولا شك أنك جائع .
قلت : أنا فى إنتظار وجبه علم لين .
قال سماحته : بعد أن يطهو الفقهاء النصوص أى يوجدوا العلاقه بينها وبين البعض يخرجونها فى صورة أحكام وهؤلاء هم أئمة الإستنباط [وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلىِ الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ] (83 النساء).
بعد ذلك لابد أن يتولى العلماء تقديم ذلك الفقه للناس كما يقدم الجرسون أو السفرجى الطعام بصوره حسنه .
قلت : هل معنى ذلك أن العلماء كما أوجب الشرع على الناس إحترامهم أيضاً أوجب إحترام الجهلاء ؟
قال : نعم كما يحترم النجار خشبه والحداد حديده والخواص خوصه لأن صاحب الصنعه بغير خامات لا قيمه له خاصه و أن طلاب العلم ليسوا أعداء الله حتى و لو كانوا أعداء الله فالله أوجب على العلماء إحترام قدراتهم فلا يتعالوا عليهم ولا يحقروهم ولا يتقعروا عليهم ولا يتحذلقوا فما أرسل الله نبياً ولا رسولاً إلا بلسان قومه أنظر إلى عظمة الله عندما أرسل إلى عدوه الذى أدعى الألوهيه حيناً و الربوبيه العليا حيناً آخر وهو فرعون الذى قال:[ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِى ]
(38 القصص).
وقال [ أَنَاْ رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ ] (24 النازعات) قال تعالى لرسولين كريمين : [ اذْهَبَآ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ ].
قلت : القول اللين معناه التكلم بصوت ناعم ومنخفض وهادىء وضعيف وخفيض و منكسر ومتمسكن ومتحشرج وباك ولو أستدعى الأمر النواح و تقبيل الأرض تحت قدم فرعون ؟
قال سماحته . كل يوم أكتشف فيك دليلاً على السطحيه المطلقه . قلت : أهذا هو القول اللين أين إحترام العلماء للجهله ؟ ألست خشبه وأنت نجارها ؟ نجر فىّ .
قال سماحته : يا بنى إن الألفه تسقط الكلفه ويا بنى تغفر ما دونها . قلت : هذه دعابه مع حبيب وأنس بقريب . . .
ثم قال : القول اللين الذى يستوعبه العقل ويمضغه ويستفيد منه (1). . . و هذا يعنى أن العالم لابد أن يراعى إحترام المتلقى و تبسيط العلم أيضاً .
قلت : وفق الله من آلانَ لنا علم الله ورسوله ^ فحصلت لنا الفائده بأسلوبه البسيط و سامح الله من عسّر علينا علم الله ورسوله ^ فمنع عنا الفائده فيا سادتنا العلماء إستفيدوا من حكمة صاحب السماحه فالينوا لنا العلوم و اطبخوها وقدموها لنا سهله يسيره يؤتكم كفلين من رحمته كفل على تعلم العلم وكفل على تعليمه للناس . واللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً ولا حول و لا قوة إلا بالله.
والسـلام عليكـم
وعليكم السـلام
مـريـد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في تخريج أحاديث الإحياء – الجزء الأول ، ص (165-167) :
146 – ( نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم و نكلم الناس على قدر عقولهم ) .
في تصنيف : حوار مع صاحب السماحة في يونيو 1st, 2005