السماء قبلة الدعاء والكعبة قبلة الصلاة
مجلة التصوف الإسلامى
عدد أكتوبر 2004
[ قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْـمَسْجِدِ الْحَرَامِ]
(144 البقرة)
بفرحة الصائم في شعبان .. المستقبل لرمضان والعفو والغفران .. التقيت بسماحة الأمام. السلام عليكم مولانا الأمام .. وعليكم من الله السلام .
قلت : أحمل الي سماحتكم سؤالا لم يكن لي ولكنه أصبح لي بل لنا جميعا . قال وما هو ؟
قلت : أن لي صديقا عائدا لتوه من أداء العمرة ولكنه غير مسرور كما تعودنا من العائدين من هذه الزيارة وعندما سألته أجاب : يالخيبة الأمل وعدم قبول العمل فقال له أصدقاؤه ما الخبر قال الرجل لقد أفسدت عمرتي وخسرت آخرتي ومالي وصحتي علي حركة كنت أحسبها هينة ولكنها عند الله عظيمة.قال له أصحابه : لقد شغلتنا وأثرت فضولنا وشكوكنا وظنوننا ماذا جري ؟ قال صاحبنا: لقد أديت كل شئ في العمرة أداء حسنا وما تركت سعيا ولا طوافا ولا حلقا ولا قتلت صيدا وأنا محرم وما سرقت وما كذبت وما شربت خمرا وما هممت بذنب ولا أسأت الظن بالله غير أني وأنا أزور رسول الله ^ وصاحبيه سيدنا أبا بكر وسيدنا عمركنت أدعو الله تعالي وظهري الي القبلة ووجهي الي رسول الله وصاحبيه والأدهي والأمرمن كل ذلك أنني كنت رافعا كفي الي السماء وأنا علي هذه الحال جاءني رجل مهيب عليه ثوب قشيب ووجهه أبيض من الحليب ولحيته تسيطر من وجهه علي أكبر نصيب وقال لي أيها الزائر ليتك ما قدمت من حيث كنت ولا اعتمرت ولا زرت لقد أفسدت كل هذا برفع يديك أمام أصحاب القبور وأعرضت بوجهك عن القبلة فاستغفر الله من ذنب هو العمرة ومن معصية هي الدعاء وظهرك الي القبلة ومن كبيرة وهي رفع اليدين أمام رسول الله وصاحبيه . سيدي الأمام هذا سؤال في قصة أو قصة في سؤال وان صاحبي قد علم بأنني علي لقاء مع سماحتكم وحملني أمانة سؤالكم عن كيفية تكفير هذه الذنوب والمعاصي وهل لي من توبة مقبولة وهل علي قضاء بعد الكفارة وما كنت أعلم أن عقيدتي ونيتي ومحبتي وإنفاق مالي ووقتي وصحتي مع أملي العظيم في الله الكريم وحبي لرسول الله وآل بيته كل هذا يوضع في كفة مرجوحة والكفة الراجحة بأعمالي كلها هي رفع يدي أمام رسول الله ^ معرضا عن القبلة.
قال سماحته : وأنت لم لم تجبه ؟ فبادرت قائلا : ياسيدي أنا لست من أهل الدين علي سبيل القطع واليقين خاصة وأن صاحب السؤال رجل مهيب وأظنه من الله قريب وهذه فتوي صادرة أمام رسول الله في روضته والناس يعتقدون أن من يفتيهم في هذا المكان من أهل الله خاصته الموعودين بجنته.
قال سماحته:بلغ صاحبك أن ما فعله لم يفارق فيه ولا به شرعا واردا في كتاب الله وسنة نبيه ^ وأنه لو لم يفعل ذلك لكان مخطئا خطأ فاحشا.. يابني ان الكعبة قبلة الصلاة وأما السماء فهي قبلة الدعاء [فَأَيْنَمَـا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ] (115البقرة) يابني انظر الي خطباء الجمعة والعيدين إذا وقفوا يخطبون الناس وهم علي المنابر وظهورهم جميعا الي القبلة وليس وجوههم ثم انهم في الخطبة الثانية يرفعون أيديهم بالدعاء وهم مستقبلين المصلين وليس القبلة والمهم هو توجه القلب والقصد والنية الي الله تعالي .. يابني ان الانسان المؤمن اذا دعا الله في بيته أو في مسجده أو في عمله فانه يرفع يديه الي السماء وليس بشرط أن يستقبل القبلة .. يابني ان ما فعله صاحبك يعتبرعند المحققين توحيد الفطرة فصاحبك لم يغير من وضع يديه في الدعاء لوجوده أمام رسول الله ^ وهذا هو غاية القصد وهو وجوده أمام الرسول الكريم يرفع يديه الي الله تعالي قائلا : اللهم أعطني ، اللهم أرفع عني وأدفع عني ولا يعتبر ما فعله صاحبك شركا ولا فسقا ولاردة ولا كفرا ولا مفارقة للإسلام ولا يعتبر مبتدعا بدعة سيئة ولا تثريب عليه في فعله هذا ولاعليه قضاء ولا كفارة ولا فدية ولا أظن صاحبك إلا من الذين يحافظون علي دينهم الحريصين علي إرضاء ربهم
.. اسال صاحبك ألا ينسانا في دعائه والمسلمين أجمعين. ولما أحسست بانشراح صدري قلت يا مولانا بالله عليك زدني.
قال سماحته : يا بني أن الله تعالي يقول لرسوله الكريم [ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّاباً رَّحِيماً ] (64النساء) وهذه الآية لم تنسخ في حياته ^ وبالتالي فهي لم ولن تنسخ وألا لحكمنا بنسخ القرآن كله بعد انتقاله صلي الله عليه وسلم الي الرفيق الأعلى.وكونهم يأتون اليه ويستغفرون الله أمامه فلا يعقل أن تذهبوا اليه ويستغفروا الله أمامه وهم معرضون عن حضرته ومن يظن أن الله غير موجود ألا في اتجاه القبلة فقد قيد مطلقا وأساء الظن بالله وحدد له جهة معينة لوجوده [قُل للهِ الْـمَشْرِقُ وَالْـمَغْرِبُ] (142 البقرة) .. يا بني أن من قيد مطلقا قد ابتدع بدعة سيئة وكذلك من أطلق مقيدا فقد ابتدع بدعة سيئة وأعني بالمطلق ما أطلقه الله ورسوله وكذلك المقيد ما قيده الله ورسوله
قلت : صدق من قال : ( وجهل غبي علة فوق علة … وعلم ولي ملجأ في الشدائد ) .
وأن أهل العلم جعلهم الله تعالي منارة يهتدي بها كل ضال ومأمن يأمن فيه كل خائف وهم أهل التيسير يجلون المبهمات ويحلون المشكلات ويزيلون الشبهات وكل عام وسماحتكم بخير وشيوخنا وإخواننا وهيئة تحرير صحيفتنا جريدتنا مجلتنا والعاملين بها وقرائها .. آمين .
والسـلام عليكـم
وعليكم السـلام
مـريـد
في تصنيف : حوار مع صاحب السماحة في أكتوبر 1st, 2004