أخطاء الأنبياء وكرامات الأولياء!
عندما يكتب قلم جملة خارجة على القانون .. هل نحبسه على ما كتب أم نحاسب من أمسك به وكتب؟ .. عندما تكسر سيارة إشارة مرور .. هل نحرر لها مخالفة تدفعها من جيبها أم نحررها لمن يقودها؟ .. عندما تخرج رصاصة من مسدس لتقتل شخصا .. هل نرسل الرصاصة إلى حبل المشنقة أم نلفه حول رقبة من ضغط على زناد المسدس؟ ..
لا القلم يحبس .. ولا السيارة تغرم .. ولا الرصاصة تعدم .. ولا النبى يخطىء .. فكل من ليس له إرادة فى فعله فهو معصوم .. ولو كنا لا نهاجم القلم المتجاوز والسيارة المسرعة والرصاصة القاتلة فلماذا نتجرأ ونتهم الأنبياء بارتكاب الأخطاء؟ ..
إن الأنبياء ليس لهم أخطاء حتى وإن بدا لنا غير ذلك .. هم معصومون .. والمعصوم إرادته فى يد الله .. وأفعاله مكلف بها .. لا يؤاخذ عليها .. لقد إستنكر سيدنا موسى ما فعل سيدنا الخضر .. قتل غلاما .. وخرق سفينة.. لكن .. سيدنا موسى تراجع عن استنكاره عندما تلقى الحكمة واستوعب تفسير سيدنا الخضر: "وما فعلته عن أمرى" .. فهو مكلف بما فعل .. وهو مرفوع من الحساب عليه .. ولم نجد فى القرآن غضبا منه .. أو عقابا له .. أو استنكارا لما فعل .. فقد نفذ مشيئة الله وحقق إرادته العليا.
وسيدنا الخضر ليس نبيا .. بل هو عبد صالح محفوظ بحفظ الله شأن الأولياء .. الأنبياء معصومون .. والأولياء محفوظون .. وهنا يأتى سؤال فى مكانه: ما الفرق بين العصمة والحفظ؟ .. العصمة للنبى.. وهو يولد بها .. فلا يرتكب خطأ منذ أن يستقبل أول شمة هواء فى الحياة مهما بدا لنا غير ذلك .. إنه مثل مادة "ستنلستيل" .. غير قابل للصدأ مثل مادة التيفال .. لا يلصق به الخطأ .. أما الحفظ فهو للولي.. والولى مولود ليخطئ .. ليكون قابلا للصدأ .. لكنه ينال الحفظ فيصبح غير قابل للخطأ .. العصمة ضمانا فطريا .. والحفظ عصمة مكتسبة . وأول من ولد معصوما من الخطأ هو سيدنا آدم .. والشائع بين الناس أنه أخطأ أو ذل أو ضل عندما أكل من الشجرة المحرمة فى الجنة .. وهو حكم بشرى متعجل .. فأكله من تلك الشجرة هو سبب أجراه الله لينزله إلى الأرض ويصبح خليفة فيها .. يقول سبحانه وتعالى: "فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم" .. وتاب عليه أى وفى الله عنه ما فعل .. ولا شاهد عليه .. ولا بقعة ما فى سجله. ولو انتقلنا إلى سيدنا نوح لوجدنا من يقول إنه أخطأ عندما دعا على قومه وهو أمر لا يجوز أن يصدر عن نبى .. قال: "رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا " إعتبر بعض الناس أن ذلك خطأ .. لكن هؤلاء الناس لا يلتفتون إلى أنه صبر حتى على كفر أولاده خمسين سنة .. وأعطاه الله البصيرة التى ينظر إليها إلى أصلاب الرجال فيرى أنه لم يكن فيها أثر لمولود سوف يؤمن عندئذ ينتظر وعندما لم يجد أثرا لمؤمن فى أصلابهم وجد أن شرط الدعوة على قومه تحقق .. فدعا عليهم .. يقول له سبحانه وتعالى: إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا". لقد أخبره الله إنه لن يؤمن من قومه إلا من أمن .. ومنحه بصيرة النظر فى أصلاب الرجال .. وما إن اطمأن إلى أن هذه الأصلاب لن تنجب مؤمنا قام بالدعاء عليهم .. ونفذ أمر الله .. ولو كان دعاؤه باطلا ما نجاه الله من الغرق فى الطوفان.
وفى قصة سيدنا إبراهيم نجد من يتوقف عند واقعة تحطيمه الأصنام ويقول إنه كذب .. لقد كسر صنمين وترك الثالث وعندما سألوه: " أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون" إن ما قاله سيدنا إبراهيم هو وحى من ا لله سبحانه وتعالى ليهزأ بهم وبعقولهم الضعيفة .. اسألوهم إن كانوا ينطقون … إن سيدنا إبراهيم أعطاه الله الكتاب والحكمة والنبوة وهو من أولى العزم وأرضى الله قولا وعملا فلا مجال لفهم خاطئ من بشر .. لا رأى لبشر فى الله. وعندما نأتى إلى سيدنا داود وسيدنا سليمان نجد نقدا أشد من البشر .. يقول سبحانه وتعالى: "وداود وسليمان إذ يحكمان فى الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا أتينا حكما وعلما" .. والقصة معروفة .. غنم إعتدت على زرع يملكه آخر فأكلته .. وعرضت القضية على سيدنا داود فحكم لصاحب الغنم بأخذ الأرض وحكم لصاحب الأرض بأخذ الغنم .. ووصف بعض الناس حكمه بالخطأ .. إنه لم يخطئ وإنما خطأه الله .. الله هو الذى انطقه هذا الحكم الذى تولى شرحه سيدنا سليمان .. كان على صاحب الأرض أن يأخذ الغنم ليستفيد منها جراء ما أكلت .. وكان على صاحب الغنم أن يأخذ الأرض ويزرعها حتى تعود كما كانت قبل اعتداء الغنم عليها .. حينئذ تعود الغنم إلى صاحبها والأرض إلى صاحبها .. هذا هو حكم داود .. وهو حكم عادل لم يخطئ فيه .. لكن لم يفهمه للناس .. ولذلك فإن العبرة ليست فى الحكم وإنما فى "فهمناها سلميان" .. والغريب أن للناس رأى مع الله .. لقد كانت الجبال تسبح مع سيدنا داود .. وقد لان الحديد فى يده وهو يصنع الدروع وكأنه يتعامل مع صلصال .. كل ذلك لا يقنع البشر.. فيقولون إنه أخطأ فى حالة من حالات التصيد يصعب قبولها.
ولو جئنا إلى سيدنا سليمان لوجدناه يسمع ما تقوله النملة خشية منه ومن جنوده ولكن فى الوقت نفسه نجد أن الله خبأ عنه ما يحدث فى سبأ وعرف به الهدهد الذى يقول له: "أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين" .. هدهد يعرف بأمر الله ما لا يعرفه سليمان الذى سخر الجن وفهم لغة الطير وغيرها .. والدليل على أنه لم يكن يعرف أنه لم يقل للهدهد: إنى أعلم ما تقول .. وإنما قال:" سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ".. هى مشيئة الله .. وليست خطأ سليمان
ونصل إلى سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام لنجد من يتجرأ ويقول: إن الرسول أخطأ فى شئ ما – معاذ الله- فلننظر إلى القرآن .. يقول سبحانه وتعالى فى سورة التحريم: "يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضات أزواجك والله غفور رحيم".. لم يقل تواب رحيم .. فالمغفرة هى مغفرة شئ بمفرده أما التوبة فهى المغفرة التى لا تأتى بعدها معصية .. والقصد هنا التعريض لمواقف متكررة يضع فيها الله رسوله الكريم حتى تكون فرصة للتشريع الذى يستفيد منه الناس. وعندما يبدأ سبحانه وتعالى بمخاطبته صلى الله عليه وسلم "يا أيها النبى" وينتهى بأن الله غفور رحيم فإن ذلك دليل عتاب لا عقاب .. وما جرى كان سببا فى تشريع الكفارة .. يقول سبحانه وتعالى: "قد فرض الله لكم تحلة إيمانكم والله مولاكم" .. ويقول سبحانه وتعالى للرسول الكريم فى موضع آخر: "عفا الله عنك لما أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين" .. من أولها يقول له عفا الله عنك .. يحكم له بالبراءة قبل أن يناقشه فيما جرى .. فكيف نتجرأ ونقول إن حضرة النبى صلى الله عليه وسلم أخطأ؟ .. وتصل الجرأة ببعضنا إلى حد مناقشة خصوصياته وعلاقاته بزوجاته .. إن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يتزوج إلا زوجة واحدة هى السيدة خديجة أما باقى زوجاته فقد زوجة الله بهن .. ويفسر البعض ما جاء فى سورة التحريم على هواه .. ويقول: إنه – عليه رضوان الله- كان خارجا من عند إحدى زوجاته فقابل أخرى فشعر بالحرج والكسوف .. إن ذلك لم يحدث.
والقصة الحقيقية إنه عندما يكون هناك مانع الحيض عند زوجة من زوجاته كانت ترفض أن تأوى وهى فى هذه الحالة إلى جوار النبى الذى ينام عند زوجة أخرى من أمهات المؤمنين.. وما جرى هو أن السيدة حفصة جعلت النبى أمانة فى عنق السيدة عائشة ولما كان الصباح سألت السيدة حفصة النبى: هل أكرمت عائشة ليلتى؟ .. فقال النبى: نعم .. فسألته: أأطعمتك؟ .. فقال: نعم .. فقالت: لكنى أجد فى فيك (فمك) رائحة مغافير (نبات رائحته غير طيبة) .. فأجاب النبى: لعله من العسل .. فغضبت السيدة حفصة من السيدة عائشة على إطعامها الرسول من ذلك العسل.. فحرم الرسول العسل على نفسه وقال للسيدة حفصة ألا تخبر أحدا بذلك لأن الله حلل العسل وجعل فيه شفاء للناس .. لكن السيدة حفصة أخبرت السيدة عائشة بأن الرسول حرم على نفسه العسل من جراء ما أطعمته السيدة عائشة .. فنزل الوحى عليه ليخبره بأن السيدة حفصة أفشت سره .. وانقسمت نساء النبى بين مؤيد لعائشة ومؤيد لحفصة وعندما جاء النبى إليهما إستعجلت واحدة منهما وسألت النبى: من أنبأك بالخبر.. فقال النبى: نبأنى العليم الخبير.. قال نبأنى ولم يقل أنبأنى .. نبأنى تعنى أننى نبى .. أو تعنى هل نسيتم أننى نبى .. والنبى لا يسأل من أنبأك. يقول سبحانه وتعالى: "وإذ أسر النبى إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأنى العليم الخبير إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما" .. لكن .. ما حدث بعد ذلك أن الله سبحانه وتعالى قال له: "يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضات أزواجك والله غفور رحيم .. والمقصود هنا العسل .. وليس مقاطعة النساء كما هو شائع فى تفسير الآية عند بعض الناس.
إن الأنبياء لا يخطئون .. فهم فى النهاية أدوات فى يد القدرة الإلهية كالقلم فى يد أحدنا فإن كتب عبارة لا تعجب الآخرين فلا عتاب على القلم .. الأنبياء عبيد إرادة .. وعبيد
الإرادة مبرءون مما يقولون وما يفعلون أفعالهم إلهية .. وأقوالهم إلهية .".وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى ".. فكيف نناقش هذه الأفعال والأقوال ؟ .. وحتى تكون منصفين فلا يجوز أن نقول إن النبى الفلانى عمل معجزة أو الولى الفلانى عمل كرامة .. فلا هذا ولا ذاك بيده القدرة على فعل شئ .. بل الذى خرق للولى العادة هو الله وتسمى فى هذه الحالة كرامة ونسبها الله إليه .. والذى خرق للنبى العادة هو الله وتسمى معجزة ونسبها إلى النبى .. فلا موسى فلق البحر ولا عصاه .. ولكن الله هو الذى فلق البحر .. ونسب ذلك إلى موسى .. وهكذا على باقى المعجزات والكرامات .. والأنبياء والأولياء .. ولا حول ولا قوة إلا بالله .